حميدتي ومصر.. حين تصبح الدولة هي العدو قراءة في خلفيات التصعيد الخطابي

الخرطوم مقالات
✍️ بقلم: د. عبد الناصر حامد سلم
منذ اندلاع الصراع في السودان بين الجيش والدعم السريع في أبريل 2023، لم تكن مصر مجرّد جار. بل كانت، ولا تزال، لاعبًا إقليميًا مركزيًا لا يمكن تجاوزه في أي معادلة تتعلق بأمن السودان واستقراره.
🛑 تصعيد حميد.تي.. اتهامات بلا دليل
في وقت تصاعد فيه الصراع العسكري، خرج قائد الدعم السريع باتهامات مباشرة لمصر بدعم الجيش السوداني. ورغم غياب أي دليل مادّي أو اعتراف دولي، تم تسويق هذه الرواية في بعض المنصات المعارضة للدور المصري.
لكن السؤال الأهم: لماذا الآن؟ ولماذا مصر بالتحديد؟
مصر والدولة السودانية: شراكة لا اصطفاف
مقاربة القاهرة لا تقوم على دعم طرف سياسي أو عسكري بعينه، بل على الحفاظ على مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش، باعتباره الكيان المتبقي في السودان القادر على ضمان السيادة والاستقرار. في المقابل، تمثل الدعم السريع كيانًا غير نظامي بُني خارج المنظومة الرسمية وبدعم خارجي معروف.
أهداف حميدتي من التصعيد ضد القاهرة
خطاب حم.يدتي تجاه مصر ليس عبثيًا، بل يخدم أجندة محسوبة على أربع مستويات:
1. نزع الشرعية عن الجيش السوداني بوصمه بدعم خارجي.
2. صناعة “عدو خارجي” لتعبئة الخطاب السياسي الداخلي.
3. استفزاز القاهرة لدفعها نحو رد فعل مباشر يُبرر تدويل النزاع.
4. إرباك التحالفات الإقليمية والدولية بإدخال مصر في معادلة الاتهام.
لماذا لم يُحقق حمي.دتي اختراقًا؟
لم تتبنَّ أي جهة دولية أو إقليمية خطاب حميدتي تجاه مصر، لا الاتحاد الإفريقي، ولا الجامعة العربية، ولا الأمم المتحدة. بل على العكس، استمرت القاهرة في تقديم نفسها كوسيط هادئ لا ينزلق إلى الاستقطاب، وتحافظ على موقف دبلوماسي عقلاني يخدم استقرار السودان على المدى الطويل.
القاهرة لا ترد بالصوت.. بل بالعقل
في مقارنة بين مصر وأطراف إقليمية أخرى، يتضح أن القاهرة لم تنخرط عسكريًا، ولم تقدّم طائرات مسيرة أو ممرات تهريب. بل حافظت على سياسة “الخط الأحمر” دون التورط المباشر، كما فعلت سابقًا في الملف الليبي.
السودان بالنسبة لمصر ليس ملفًا عابرًا
مصر تدرك أن ما بعد الصراع لا يقل أهمية عن مجرياته. فالسودان الموحد والمستقر يعني ضمانًا للأمن المائي والحدودي والاقتصادي لمصر، لذلك فإن سياستها تقوم على دعم الدولة لا دعم الأشخاص.
في النهاية، مصر ليست خصمًا في معركة حميدت.ي، بل هي الرمز المؤسسي للفكرة التي يحاول إسقاطها: الدولة الوطنية.