مقالات الرأي

عثمان ميرغني يكتب.. هل ينجح كامل إدريس في كسب ثقة السودانيين بعد خطابه الأول

ألقى الدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء السوداني الجديد، خطابه الأول للأمة، في لحظةٍ مصيرية تمر بها البلاد وسط حرب مدمرة وانقسام سياسي واجتماعي غير مسبوق. ورغم تعقيدات المشهد، جاء الخطاب ليفتح نافذة أمل في جدار الأزمة، ويبعث برسائل طمأنة إلى الداخل والخارج على حد سواء، ممهّدًا لخارطة طريق يمكن أن تعيد للسودان بعضًا من استقراره المفقود.

خطاب استراتيجي لإعادة الثقة

تميّز خطاب إدريس بنبرة معتدلة وحكيمة، خاطبت مختلف المكونات السودانية، دون استثناء. ورغم أن ردود الفعل السياسية في السودان عادةً ما تتفاوت وتُستقبل بكثير من التوجس، إلا أن خطابه حاز على إشادة لافتة من قطاعات واسعة من السودانيين، خاصة أولئك الذين كانوا في موقع الحياد، ينتظرون بترقب ما إذا كان بإمكان القيادة الجديدة أن تصنع فارقًا حقيقيًا.

الرسالة الأساسية التي حملها الخطاب كانت واضحة: توحيد الصفوف، الخروج من نفق الحرب، واستعادة الدولة من حافة الانهيار. وهي رسائل طال انتظارها، خاصة في ظل حالة الإحباط العام من الأداء الحكومي منذ انقلاب أكتوبر 2021 وحتى اليوم.

دلالات التوقيت والرسائل المشفرة

جاء الخطاب في توقيت حساس، حيث لا تزال الحرب مستعرة بين الجيش والدعم السريع، ومع ازدياد معاناة المواطنين في مناطق النزوح واللجوء، وغياب الخدمات الأساسية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية. لذلك لم يكن غريبًا أن يلقى خطاب إدريس ترحيبًا واسعًا، حتى بين المتشككين، إذ بدا بمثابة بداية جديدة.

المحللون السياسيون لاحظوا أن إدريس تعمّد توجيه خطاب غير صدامي، بل ركز على إشارات الوحدة، وتحدث بلغة جامعة، دون توجيه اتهامات لأي طرف، وهو ما أكسبه احترامًا إضافيًا حتى من الخصوم. كما اختار كلمات مفتاحية تلامس قضايا الناس، مثل السلام، العدالة، تحسين الأوضاع المعيشية، ومحاربة الفساد، مما جعل الخطاب يبدو كأنه خارطة طريق مبدئية لحكومة إنقاذ وطني.

تحديات المرحلة.. والرهان على الفريق الوزاري

رغم النجاح النسبي للخطاب في كسب التأييد المعنوي، إلا أن التحدي الحقيقي يبدأ الآن. فالسودانيون الذين استبشروا به ينتظرون قرارات عملية تعزز الثقة وتترجم الأقوال إلى أفعال. وفي مقدمة هذه التحديات يأتي تشكيل الحكومة واختيار الوزراء.

تشكيل الفريق الوزاري سيكون بمثابة اختبار نوايا للرئيس الجديد، إذ يتطلب قدرًا عاليًا من الحكمة والجرأة معًا. فاختيار وزراء أكفاء، ذوي خبرة وسجل نظيف، سيكون العامل الحاسم في النجاح أو الفشل. وإذا وقع إدريس في فخ “المحاصصة السياسية” أو اختار أسماء ضعيفة لإرضاء مراكز نفوذ معينة، فإن الأمل الذي بعثه خطابه سرعان ما سيتبخر.

لذلك، من الأفضل أن يلجأ إلى لجنة مستقلة من الخبراء والأكاديميين لمساعدته في التقييم الفني للمرشحين، على أن يكون القرار النهائي مبنيًا على معايير واضحة تشمل الكفاءة، النزاهة، والقدرة على العمل تحت الضغط.

الشعب ينتظر الإنجاز لا الخطابات

يواجه كامل إدريس سباقًا مع الزمن. فالمواطن السوداني مرهق من الوعود، ولم يعد يملك ترف الانتظار. الأزمات المعيشية المتراكمة، وانعدام الأمن، وتفكك الخدمات الأساسية، كلها ملفات يجب أن تبدأ الحكومة الجديدة في التعامل معها فورًا.

ولعل إدريس يدرك جيدًا أن نجاحه لا يُقاس فقط بجودة الخطاب، بل بما يمكن أن يحققه في أول 100 يوم من الحكم. فهي الفترة التي ستحدد اتجاه البوصلة: إما استعادة الثقة والمضي نحو الإصلاح، أو الوقوع في فخ الخطابات الجميلة دون فعل.

كلمة أخيرة

نجح رئيس الوزراء كامل إدريس في أول اختبار له عبر خطابه الافتتاحي، لكن النجاح الحقيقي ما زال ينتظره في الميدان. فالكلمات وحدها لا تكفي لبناء الدولة، وإنما الرؤية الواضحة، والعمل الجماعي، والجرأة في اتخاذ القرارات المصيرية. إن كان فعلاً جادًا في قيادة السودان نحو مرحلة جديدة، فعليه أن يبدأ من الآن، وبخطوات واثقة، وإلا فإن الرياح ستعصف بسفينته قبل أن تغادر الميناء.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى