شقلاوي يكتب.. هل بات السودان على أعتاب استعادة مقعده الإفريقي؟

متابعات الخرطوم نيوز
إبراهيم شقلاوي يكتب: السودان على مشارف العودة إلى الاتحاد الإفريقي… تحوّل دبلوماسي أم تكتيك سياسي؟
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، وجد البلد نفسه خارج أروقة الاتحاد الإفريقي، بعدما علّق المجلس عضويته على خلفية الإجراءات التي وقعت في 25 أكتوبر 2021. خطوة كانت، في حينها، محمّلة برسائل واضحة، مفادها أن الاتحاد لا يعترف بما حدث من تغييرات سياسية على أنه انتقال شرعي للسلطة. لكن، وبعد مضي أكثر من عامين، تبدو الأمور وكأنها تتجه نحو نقطة انعطاف كبرى: عودة السودان إلى مقعده في الاتحاد الإفريقي.
هل راجع الاتحاد الإفريقي مواقفه؟
اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمجلس السلم والأمن الإفريقي، في مايو 2025، كشف عن تحولات عميقة في مواقف بعض الدول الإفريقية تجاه الأزمة السودانية. ولعل أبرز ما جاء فيه، هو الطرح الصريح الذي قدمه البرهان، والذي وصف فيه ما يجري في السودان بأنه “استعمار بالوكالة”، تقوده جهات مدعومة خارجيًا، وتحتل أجزاء من الأراضي السودانية بمشاركة أجانب.
هذا التوصيف الحاد، لم يكن مجرد تصريح إعلامي، بل تسرب أنه وجد طريقه إلى داخل النقاشات المغلقة داخل مجلس السلم والأمن، بحسب ما كشفت عنه صحيفة Jeune Afrique الفرنسية في تغطيتها الصادرة بتاريخ 26 مايو 2025.
موقف رسمي… وخارطة طريق
في السياق نفسه، أدلى السفير محمد جاد، وهو أحد أعضاء الوفد المرافق للبرهان، بتصريحات لوسائل إعلام دولية منها قناة “الحدث”، أشار فيها إلى وجود تفاهُم واسع داخل الاتحاد الإفريقي حول ضرورة إعادة السودان إلى مقعده. واعتبر جاد أن استعادة العضوية تمثل مدخلاً أساسيًا لنجاح جهود السلام، وتفتح المجال أمام تنسيق دبلوماسي أكبر على المستوى القاري والدولي.
تصريحات جاد أكدت أن الزيارة تمخضت عن “خارطة طريق جديدة”، تعكس رغبة في إنهاء القطيعة، وتمهّد لدور إفريقي أكثر فاعلية في الملف السوداني، خصوصًا مع تزايد الضغوط على المجتمع الدولي للتدخل في ما وصفته منظمات حقوقية بأنه “كارثة إنسانية كبرى”.
انتهاكات متواصلة من الدعم السريع
هذه التحركات الدبلوماسية تأتي في وقت تستمر فيه الدعم السريع في ارتكاب انتهاكات واسعة في إقليم دارفور وكردفان، بحسب ما وثّقته منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش”. بل إن الخارجية الأمريكية، في بيان حديث، أدانت بشكل صريح قصف منشأة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في دارفور، متهمةً الدعم السريع بإعاقة العمليات الإنسانية.
كما سبق لوزارة الخزانة الأمريكية أن فرضت عقوبات على قائد الدعم السريع، بالإضافة إلى سبع شركات تابعة له مقرها في الإمارات، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها بداية تضييق دولي على مصادر تمويل الدعم السريع.
هل نحن أمام تحوّل حقيقي في موقف الاتحاد الإفريقي؟
عودة السودان إلى الاتحاد الإفريقي، في حال تمت خلال الأسابيع المقبلة، لن تكون مجرد إجراء بروتوكولي، بل تحوّل استراتيجي في تموضع الخرطوم داخل الساحة الإفريقية، وإشارة إلى أن الاتحاد بدأ يتجاوز مرحلة “المراقب السلبي” إلى دور أكثر فعالية في حل الأزمات داخل القارة.
الاتحاد الإفريقي، الذي تعرض خلال السنوات الماضية لانتقادات حادة بسبب بطئه في التعامل مع أزمات القارة، أمامه فرصة ذهبية لاستعادة بعض من مكانته ومصداقيته، إذا ما نجح في تحويل الأزمة السودانية من ساحة صراع إقليمي إلى مشروع مصالحة إقليمي حقيقي.
ختامًا: ما بين الدبلوماسية والواقع الميداني
يبقى التحدي الأكبر هو الميدان، وليس القاعات المكيفة للمؤتمرات. فالوضع الإنساني في السودان لا يحتمل التأجيل، واستمرار الحرب يعني مزيدًا من النزوح، ومزيدًا من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
لكن، في المقابل، العودة إلى الاتحاد الإفريقي قد تمنح السودان متنفسًا سياسيًا ومعنويًا في الساحة الدولية، وتُعيد بعض التوازن إلى خارطة علاقاته الخارجية التي اهتزت بفعل الحرب والانقسامات الداخلية.
إذا تمّت هذه العودة وفق شروط تحفظ السيادة وتدعم الانتقال إلى السلام، فإنها ستكون واحدة من أهم الخطوات التي تقطعها الخرطوم في مسار استعادة موقعها كدولة محورية في القارة الإفريقية.