مقالات الرأي

اقتصاد الحرب في السودان.. قراءة نقدية لتقرير البنك الدولي وتحديات ما بعد الحرب

في خضمّ الأزمات المتتالية التي يعيشها السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، أصدر البنك الدولي تقريرًا تحليليًا عن الوضع الاقتصادي في البلاد، ركز فيه على مؤشرات الأداء الاقتصادي، مثل التضخم، سعر الصرف، البطالة، وانكماش الناتج المحلي. لكن، وعلى الرغم من التفاصيل الرقمية الدقيقة، يفتقر التقرير إلى تحليل البُنية العميقة للاقتصاد السياسي للحرب، ويتعامل مع الأزمة وكأنها كارثة طبيعية أو أزمة ظرفية عابرة، لا نتيجة لصراع سياسي-عسكري معقّد.

مؤشرات اقتصادية معزولة عن جذورها السياسية

يتناول التقرير الواقع الاقتصادي الحالي بلغة تكنوقراطية باردة، تفصل بين الظواهر الاقتصادية وبين السياق السياسي والاجتماعي الذي أنتجها. فمثلًا:

لا يُذكر كيف يتم تمويل الحرب، أو من أين تأتي الموارد التي تدعم الأطراف المتحاربة.

يتم تجاهل كامل للاقتصاد غير الرسمي، الذي بات يشكّل القاعدة التي يقوم عليها “اقتصاد الحرب” في السودان، بما فيه من تجارة سلاح وذهب ووقود ونقد أجنبي.

لا توجد أي إشارة إلى استيلاء النخب العسكرية والمليشياوية على مؤسسات الدولة ومواردها، وتحويلها إلى أدوات لإدامة الصراع.


غياب كامل للتجارة الخارجية وشبكات التهريب

رغم أن السودان بلد يعتمد بشكل كبير على الاستيراد والتصدير، يتغافل التقرير عن تحليل التجارة الخارجية، ويتجاهل قضايا محورية مثل:

من يسيطر على المعابر الحدودية؟

أين يذهب الذهب السوداني؟

ما هو دور دول الجوار (مصر، الإمارات، ليبيا، تشاد) في دعم أو تسهيل شبكات التهريب؟

كيف تُموَّل الجماعات المسلحة، ومن يتحكم في تدفق الأسلحة؟


إن تجاهل هذه الأسئلة الجوهرية يعني أن التقرير يفشل في تقديم فهم حقيقي للاقتصاد السوداني الراهن، والذي أصبح رهينة لـ”اقتصاد موازٍ” منفصل عن الدولة، ومبني على موارد منهوبة وأسواق غير رسمية.

تحديات ما بعد الحرب: ما المطلوب؟

بدلاً من الخطاب المحاسبي، تحتاج المرحلة القادمة إلى مقاربة جذرية وشاملة لإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع، ترتكز على:

إصلاح التعليم والصحة وتوسيع مظلة الدعم الاجتماعي.

إزالة الألغام وتوفير بيئة آمنة لعودة السكان والأنشطة الاقتصادية.

محاسبة النخب التي استفادت من الحرب ومصادرة الأموال العامة التي تم نهبها.

ضبط التجارة الحدودية ووضع آليات رقابة فعّالة على الذهب والنقد الأجنبي.

بناء دولة مدنية تستند إلى الشفافية والعدالة، وتستعيد سيطرتها على الموارد والمعابر.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى